شاعر اللون .. و الأصابع المرتعشة
كيف يمكن أن يجمع فنان بين منتهى الصفاء و العذوبة و التآلف اللوني ، و بين معاناة الإنسان و وحدته القاسية في كون لا مبال؟
إن هذا ما يحاول أن يجيب علية في لوحاته الفنان أحمد نبيل ، في أعماله. إن الوانه لا تبدو مكونة على (( الباليت )) بل هي ألوان صريحة مصفاة ، تكاد تقتصر على الألوان الأساسية في السلم اللوني. وضعت على القماش الناصع بغير امتزاج فاحتفظت بنقائها و بكارتها ، مستقلة عن الطبيعة و عن مصادر الضوء ، كأن لها مصادر إضاءتها السحرية.
و رغم اهتمامه البالغ بعناصر جمالية بحتة كاللون و التكوين ، فهو فنان تعبيري في المحل الأول ، لكن تعبيريته أقرب إلى المناجاة الذاتية ، إن إنسانه الوحيد في معظم اللوحات في فراغ ناصع البياض ، أو فوق امتداد لا نهائي لأمواج فيروزية شفافة و راسخة معاً ، يرزح تحت وطأة عذاب غير مرئي ينطوي على سر خاص يحرص على عدم افشائه ، لكنه يرتعد به و تختلج أصابعه ضارعة للخلاص منه ، إلا أنه لا يتوجه بالضراعة إلى بشر من جنسه ، بل إلى مجهول أو مطلق .. هناك حس مأساوي في مشخصاته رغم غنائيتها اللونية ، لكنها مآس مكتومة كالأسرار تتخذ صمتاً كونياً يتجاوز الواقع. و كما أن نبيل شاعر اللون المصفى ، فهو أيضاً شاعر الأصابع المرتعشة ، التي يستعيض بها عن ملامح الوجوه لنقل شحنته التعبيرية ..
إن لها لغة خاصة قادرة على قول الكثير ، إنها معادل حتى للألم و التحدي و الشكوى و الحلم ، فهي تقول و هي مضمومة ما لا تقوله و هي مبسوطة ، و ما تقوله بظاهرها غير ما تقوله بباطنها .. لكنها في كل الحالات تبدو عاجزة عن إيجاد تواصل حميم بين صاحبها و المشاهد ، الذي يقف حائراً أمام ذلك الكيان الإنساني المتلذذ بعذاب سره الدفين .. و تزداد حيرته أمام التناقض الواضح بين هذا الفيض اللوني النوراني – أو النور الملون – و بين كثافة العالم الذي يقدمه بإنسانه الوحيد المهجور الخائف ، بفضائه الجليدي الشاق ، بأمواجه المتجمدة الخرساء ، أشكاله الكابوسية المخيمة على الرأس .. إن هذا الصخب اللوني الحار لم يستطع أن يبدد عنه صقيع وحدته أو أن يمد جسراً للتواصل بينه و بين المشاهد ، خاصة إذا كان الفنان قد ألقى في بحره الرصاصي الأسطوري بمفاتيح كل الأبواب الموصولة إلى أعماق هذا الإنسان.
عز الدين نجيب